فصل: فصل في تواضعه صلى الله عليه وسلم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في تواضعه صلى الله عليه وسلم:

كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاضِعًا كَانَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ وَيُرْدِفُ خَلْفَهُ فَقَدْ أَرْدَفَ بَعْضَ نِسَائِهِ وَأَرْدَفَ مُعَاذ بن جَبَلٍ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ كَانَ فِي سَفَرٍ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِإصْلاحِ شَاةٍ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلَيَّ ذَبْحُهَا. وقال آخر: عَلَيَّ سَلْخُهَا. وقال آخر: عَلَيَّ طَبْخُهَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلِيَّ جَمْعُ الْحَطَبِ». فَقَالَوا: يَا رَسُولَ اللهِ نَكْفِيكَ الْعَمَلَ فَقَالَ: «عَلِمْتُ أَنَّكُمْ تُكْفُونَنِي وَلَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ أَتَمَيَّزَ عَلَيْكُمْ، وَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى يَكْرَهُ مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرَاهُ مُتَمَيِّزًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ». وَقَدْ جَاءَ وَفْدُ النَّجَاشِي فَقَامَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَخْدِمُهُم فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: نَكْفِيكَ، قَالَ: «إِنَّهُمْ كَانُوا لأَصْحَابِنَا مُكْرِمِينَ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُكَافِئَهُمْ».
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم صَاحِبَ بز فَاشْتَرَى مِنْهُ قَمِيصًا بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فَخَرَجَ وَهُوَ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اكْسِنِي قَمِيصًا كَسَاكَ اللهُ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ فَنَزَعَ الْقَمِيصَ فَكَسَاهُ إِيَّاهُ ثُمَّ رَجَعَ إلى صَاحِبِ الْحَانُوتِ فَاشْتَرَى مِنْهُ قَمِيصًا بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ وَبَقِيَ مَعَهُ دِرْهَمَانِ، فَإِذَا هُوَ بِجَارِيَةٍ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ تَبْكِي فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ»؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ دَفَعَ إِليَّ أَهْلِي دِرْهَمَيْنِ اشْتَرِي بِهِمَا دَقِيقًا فَهَلَكَا فَدَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إِلَيْهَا الدِّرْهَمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ.
ثُمَّ وَلَّتْ وَهِيَ تَبْكِي فَدَعَاهَا فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ وَقَدْ أَخَذْتِ الدِّرْهَمَيْنِ». فَقَالَتْ: أَخَافُ أَنْْ يَضْرِبُونِي فَمَشَى مَعَهَا إلى أَهْلِهَا فَسَلَّمَ فَعَرَفُوا صَوْتَهُ ثُمَّ عَادَ فَسَلَّمَ ثُمَّ عَادَ فَثَلَّثَ فَرَدُّوا.
فَقَالَ: «أَمَا سَمِعْتُمْ أَوَّلَ السَّلامِ». فَقَالَوا: نَعَمْ وَلَكِنْ أَحْبَبْنَا أَنْ تَزِيدَنَا مِن السَّلامِ فَمَا أَشْخَصَكَ بِأَبِينَا وَأُمِّنَا قَالَ: «أَشْفَقَت هَذِهِ الْجَارِيَةُ أَنْ تَضْرِبُوهَا».
قَالَ صَاحِبُهَا هِيَ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللهِ لِمَمْشَاكَ مَعَهَا فَبَشَّرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بِالْخَيْرِ وَالْجَنَّةِ.
وقال: «لَقْدَ بَارَكَ اللهِ فِي الْعَشَرَةِ كَسَا اللهُ نَبِيَّهُ قَمِيصًا وَرَجُلاً مِن الأَنْصَارِ قَمِيصًا وَأَعْتَقَ مِنْهَا رَقَبةً وَأَحْمَدُ اللهَ هُوَ الَّذِي رَزَقَنَا هَذَا بِقُدْرَتِهِ». أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيّ كَمَا فِي مَجْمَعِ الزوائد [في 9 ص 13].
فَهَذَا الْحَدِيثُ يَشْهَدُ لِتَوَاضُعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَسَمَاحَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وعن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ رواه البخاري.
وعن الأَسْوَدِ بن يَزِيدٍ قَالَ سَأَلْتُ عَاِئَشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِه، يَعْنِي خِدْمَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ خَرَجَ إلى الصلاة. رواه البخاري.
وَدَخَلَ الْحَسَنُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يُصَلِّي فَرَكِبَ الْحَسَنُ ظَهْرَهُ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأبْطَأَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فِي سُجُودِهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لَقَدْ أَطَلْتَ سُجُودَكَ قَالَ: «إِن ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ».
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يُبَاسِطُ أَصْحَابَهُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَلا فِي بَيْتِهِ أَلْيَنَ النَّاسِ بَسَّامًا ضَحَّاكًا.
وَعَن الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَوْمَ الأَحْزَابِ يَنْقِلُ التُّرَابَ وَقَدْ وَارَى الْبَيَاضُ بَيَاضَ بَطْنِهِ.
وَعَنْ أنسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَعُودُ الْمَرِيضَ وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ وَيَأْتِي دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ وَلَقْدَ رَأَيْتُهُ يَوْمًا عَلَى حِمَارٍ خِطَامُهُ لِيفٌ.
وعن أنس رضي الله عنه ما كانَ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ.
وَعن الحسنِ رَضِيَ الله عنه أَنَّهُ ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَقَالَ: لا وَاللهِ مَا كَانَ يُغْلِقُ دُونَهُ الأَبْوَابُ وَلا يَقُومُ دُونَهُ الْحِجَابُ، وَلا يُغْدَى عَلَيْهِ بِالْجِفَانِ وَلا يُرَاحُ عَلَيْهِ بِهَا وَلَكِنَّهُ بَارِزًا مَنْ أَرَادَ أَنْ يُلْقَى نَبِيَّ اللهِ لَقِيَهُ كَانَ يَجْلِسُ بِالأرض وَيُوضَعُ طَعَامُهُ بِالأرض وَيَلْبَسُ الْغَلِيظَ وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ وَيُرْدِفُ بَعْدَهُ وَيَلْعَقُ وَاللهِ يَدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
وَعَنْ قُبَيْس بنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَلَمَّا قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ اسْتَقْبَلَتْهُ رِعْدَةٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ مَلِكًا إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأَكُلُ الْقَدِيدَ».
وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ حَسْمًا لِمَوَادِّ الْكِبْرِ وَقَطْعًا لِذَرَائِعِ الإِعْجَابِ وَكَسْرًا لأَشَرِ النَّفْسِ وَبَطِرِهَا وَتَذْلِيلاً لِسَطْوَةِ الاسْتِعْلاءِ وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَلَّى الْخِلافَةَ يَحْلِبُ لِلضُّعَفَاءِ مِمَّنْ حَوْلَهُ أَغْنَامَهُمْ فَلَمَّا وَلِيَ الْخِلافَةَ سَمِعَ جَارِيَةً تَقُولُ: الْيَوْمَ لا تُحْلَبُ لَنَا مَنَائِحُ دَارِنَا فَسَمِعَهَا فَقَالَ: بَلَى لَعَمْرِي لأَحْلُبَنَّهَا لَكُمْ فَكَانَ يَحْلِبُهَا وَرُبَّمَا سَأَلَ صَاحِبَتِهَا يَا جَارِيَةُ أَتُحِبِّينَ أَنْ أُرْغِي لَكِ أَمْ أُصَرِّحْ فَرُبَّمَا قَالَتْ أَرغِ وَرُبَّمَا قَالَتْ صَرِّحْ فَأَيُّ ذَلِكَ قَالَتْ فَعَلْ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ نَادَى الصَّلاةُ جَامِعَة فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ لَقَدْ رَأَيْتَنِي أَرْعَى عَلى خَالاتٍ لِي مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ فَيَقْبِضْنَ لِي الْقَبْضَةَ مِنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَأَظَلُّ الْيَوْمَ وَأَيُّ يَوْمٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَاللهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا زِدْتَ عَلَى أَنْ قَصَّرْتَ بِنَفْسِكَ. فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنِّي خَلَوْتُ فَحَدَّثَتْنِي نَفْسِي فَقَالَتْ أَنْتَ يَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَمَنْ أَفْضَلُ مِنْكَ فَأَرَدْتُ أَنْ أُعَرِّفَهَا نَفْسَهَا.
تَوَاضَعْ لِرَبِّ الْعَرْشِ عَلَّكَ تُرْفَعُ ** فَمَا خَابَ عَبْدٌ لِلْمُهَيْمِنِ يَخْضَعُ

وَدَاوِ بِذِكْرِ اللهِ قَلْبَكَ إِنَّهُ ** لأَشْفَى دَوَاءً لِلْقُلُوبِ وَأَنْفَعُ

آخر:
تَوَاضَعْ تَكُنْ كَالنَّجْم لاحَ لِنَاظِرِ ** عَلَى صَفَحَاتِ الْمَاءِ وَهُوَ رَفِيعُ

وَلا تَكُ كَالدُّخَانِ يَرْفَعُ نَفْسِهُ ** إلى طَبَقَاتِ الْجَوِّ وَهُوَ وَضِيعُ

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ: «لَوْ دُعِيتُ إلى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِليَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ».
وَعَنْ بن أَبِي أَوْفى قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يَأْنَفُ وَلا يَسْتَكْبِرُ أَنْ يَمْشِي مَعَ الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينْ فَيَقْضِي لَهُ حَاجَتَهُ وَعَنْ أَنَس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ في عَقْلِهَا شَيْءٌ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لي إِلَيْكَ حَاجَةً قَالَ: «يَا أُمُّ فُلانٍ خُذِي فِي أَيِّ طَرِيقٍ شِئْتِ قُومِي حَتَّى أَقُومَ مَعَكِ». فَخَلا مَعَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُنَاجِيَا حَتَّى قَضَى حَاجَتَهَا.
وَقَالَت عائشة رضي الله عنها كنتُ أَرَى امرأَةً تدخلُ على النبي صلى الله عليه وسلم وكان يُقْبِلُ عليها بِحَفَاوَةٍ فَشَقَّ ذلكَ عَليَّ فَعَلِمَ ذلك مِني فقَالَ: «يا عائشةُ هَذِهِ كانَتْ تَغْشَانا أيامَ خَدِيجَة وإن حُسْنَ العَهدِ مِن الإيمان».
قُلْتُ: ولله در القائل:
وَإِنَّ أَوْلَى الْمَوَالي أَنْ تُوَالِيَهُ ** عِنْدَ السُّرُورِ الَّذِي وَاسَاكَ فِي الْحُزُنِ

إِن الْكِرَامَ إذا ما أَيْسَرُوا ذَكَرُوا ** مَن كَانَ يَألفهُم في المَنْزِلِ الخَشِن

وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَبِي ذَرٍّ قَالا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُ بَيْنَ ظَهْرَانِي أَصْحَابِهِ فَيَجِيءُ الْغَرِيبُ فَلا يَدْرِي أَيْهمُ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ فَطَلَبْنَا إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَجْعَلَ مَجْلِسًا يَعْرِفُهُ الْغَرِيبُ إِذَا أَتَاهُ فَبَنَيْنَا لَهُ دُكَّانًا مِنْ طِينٍ فَكَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ وَنَجْلِسُ بِجَانِبِيهِ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ كُلْ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ مُتَّكِئًا فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكَ قَالَ: «لا بَلْ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ».
وَعَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَنِي مَلَكٌ فَقَالَ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَيَقُولُ إِنْ شِئْتَ نَبِيًّا عَبْدًا وَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّّا مَلِكًا فَنَظَرْتُ إلى جِبْرِيلُ فَأَشَارَ لِي ضَعْ نَفْسَكَ فَقُلْتُ: «نَبِيًّا عَبْدًا». وَعَنْ عَبْدُ اللهِ بن أَبِي أَوْفَى قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ الذِّكْرَ وَيُقِلُّ اللَّغْوَ وَيُطِيلُ الصَّلاةَ وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ وَلا يَأْنَفُ وَلا يَسْتَنْكِفَ أَنْ يَمْشِي مَعَ الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ يَقْضِي لَهُمَا حَاجَتَهُمَا.
وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدَرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ فِي عِصَابَةٍ مِن الْمُهَاجِرِينَ جَالِسًا وَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِن الْعُرْي وَقَارِئٌ لَنَا يَقْرَأُ عَلَيْنَا فَكُنَّا نَسْتَمِعُ إِلى كِتَابِ اللهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أُصَبِّرَ مَعَهُمْ نَفْسِي». ثُمَّ جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَسْطَنَا لِيَعْدَلَ بَيْنَنَا بِنَفْسِهِ فَقَالَ: «أَبْشِرُوا مَعَاشِرَ صَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ بِالنُّورِ التَّامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَذَلِكَ خَمْسُمائةِ عَامِ».
ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم
إِلَيْكَ رَسُولَ اللهِ مِنَّا تَحِيَّةً ** وَصَلَّى عَلَيْكَ الْعَابِدُ الْمُتَهَجِّدَ

فَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ هَادٍ وَمُهْتَدٍ ** نَبِيُّ هُدَىً لِلأَنْبِيَاءِ مُؤَيَّدُ

وَقَدْ قَالَ حَسَّانٌ وَفِي الشِّعْرِ شَاهِدٌ ** تُجَدِّدُهُ الأَيَّامُ يُرْوَى وَيُنْشَدُ

أَغَرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّةِ خَاتِمٌ ** مِن اللهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ وَيُشْهِدُ

وَضَمَّ الإِلهُ اسْمَ النَّبِيّ إلى اسْمِهِ ** إِذَا قَالَ فِي الْخَمْسِ الْمُؤَذَّنُ أَشْهَدُ

فَقُلْتُ شَبِيهًا بِالَّذِي قَالَ إِنَّنِي ** بِهِ مُؤْمِنًا حَقًّا لِرَبِّي مُوَحَّدُ

فَلا يُقْبَلُ التَّوْحِيدُ إِلا بِذِكْرِهِ ** لِيَقْرِنَهُ عِنْدَ النِّدَاءَ الْمُوَحَّدُ

وَمَا جَاءَ يَدْعُونَا بِغَيْرِ دَلالَةٍ ** وَلَكِنْ بِآيَاتٍ تَدُلُّ وَتَشْهَدُ

وَمَنْ ذَاكَ جَذْعٌ حَنَّ شَوْقًا إِلى الرِّضَا ** وَمَا زَالَ سَاعَاتٍ يَمِيلُ وَيُسْنَدُ

وَقَدْ سَمِعُوا صَوْتًا مِن الْجِذْعِ بَيِّنًا ** فَيَا عَجَبًا مِمَّنْ يَشُكُّ وَيُلْحِدُ

وَمِنْ ذَاكَ شَاةٌ خِلْوَةُ الضَّرْعِ مَسَّهَا ** فَدَرَّتْ بِغَزْرٍ حَافِلٍ يَتَزَيَّدُ

فَقَامَ إِلَيْهَا الْحَالِبَانِ فَأَتْرَعَا ** أَوَانِيهِمَا وَالضَّرْعُ مَلآنَ أَبْرَدُ

وَسَارَ إلى الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ لَيْلَةً ** مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَارِدًا لَيْسَ يُطْرَدُ

يُخْبِّرُ بِالْعِيرِ الَّتِي فِي طَرِيقِهِ ** ليُوقِنَ أَهْلُ الشِّرْكِ ذَاكَ فَيَسْعَدُوا

وَمِنْ ذَاكَ أَخْبَارٌ عَنْ الْغَيْبِ قَالَها ** يُعَايَنُ مِنْهَا الصِّدْقُ فِيهَا وَيُوجِدُ

فَسُؤدَدُهُ بِاللهِ إِذْ كَانَ وَحْيُهُ ** إِلَيْهِ وَهَلْ فَوْقَ النُّبُوَّةِ سُؤْدَدُ

فَأَظْهَرَ بِالإسلام دَعْوَةَ صَادِقٍ ** فَضَلَّ بِهِ قَوْمٌ وَقَوْمٌ بِهِ هُدُوا

تُسَلِّمُ أَحْجَارٌ عَلَيْهِ فَصِيحَة ** إِذَا مَا خَلا فِي حَاجَةٍ يَتَفَرَّدُ

وَيُسْمَعُ مِنْ أَصْوَاتِهَا فِي طَرِيقِهِ ** تُمَجّدُه إِنَّ النَّبِيَّ مُمُجَّدُ

وَأَنْشَأَ رَبِّي مُزْنَةً فَوْقَ رَأْسِهِ ** رَآهَا بُحَيْرُ الرَّاهِبُ الْمُتَعَبِّدُ

تُظَلِّلُهُ مِنْ كُلِّ حَرٍّ يُصِيبُهُ ** تَقِيمُ عَلَيْهِ مَا أَقَامَ فَيَرْكُدُ

وَإِنْ سَارَ سَارَتْ لا تُفَارِقُ رَأْسَهُ ** فَقَالَ لَهُمْ هَذَا النَّبِيُّ مُحَمَّدُ

حَلِيمٌ رَحِيمٌ لَيِّنٌ مُتَوَاضِعٌ ** سَخِيٌ حَيِيُّ عَابِدٌ مُتَزَهِّدُ

وَقَالَ آخر:
نَبِيٌّ تَسَامَى فِي الْمَشَارِقِ نُورُهُ ** فَلاحَتْ بَوَادِيهِ لأَهْلِ الْمَغَارِبِ

أَتَتْنَا بِهِ الأَنْبَاءُ قَبْلَ مَجِيئهِ ** وَشَاعَتْ بِهِ الأَخْبَارُ فِي كُلِّ جَانِبِ

وَرَامَ اسْتِرَاقَ السَّمْعِ جِنٌّ فَزَيَّلَتْ ** مَقَاعِدَهُم مِنْهَا رُجُومُ الْكَوَاكِبِ

هَدَانَا إلى مَا لَمْ نَكُنْ نَهْتَدِي لَهُ ** لِطُول الْعَمَى مِنْ وَاضِحَاتِ الْمَذَاهِبِ

وَجَاءَ بِآيَاتٍ تَبَيَّنَ أَنَّهَا ** دَلائِلُ جَبَّارٍ مُثِيبٍ مُعَاقِبِ

فَمِنْهَا نُبُوعُ الْمَاءِ بَيْنَ بَنَانِهِ ** وَقَدْ عَدِمَ الْوُرَّادُ قُرْبَ الْمَشَارِبِ

فَرَوَّى بِهِ جَمًّا غَفِيرًا وَأَسْهَلَتْ ** بِأَعْنَاقِهِ طَوْعًا أَكُفُّ الْمَذَانِبِ

وَبِئْرٍ طَغَتْ بِالْمَاءِ مِنْ مَسَّ سَهْمِهِ ** وَمِنْ قَبْلُ لَمْ تَسْمَحْ بِمَذْقِهِ شَارِبِ

وَضَرْعٍ مَرَاهُ فَاسْتَدَرَّ وَلَمْ يَكُنْ ** بِهِ دِرَّةٌ تَصْغَى إلى كَفِّ حَالِبِ

وَنُطْقِ فَصِيحٍ مِنْ ذِرَاعِ مُبَينَةً ** لِكَيْدِ عَدُوِّ لِلْعَدَاوَةِ نَاصِبِ

وَمِنْ تَلْكُم الآيَاتِ وَحَتَّى أَتَى بِهِ ** قَرِيبُ الْمَآتِي مُسْتَجِمُّ الْعَجَائِبِ

تَقَاصَرتِ الأَفْكَارُ عَنْهُ فَلَمْ يَطَعْ ** بَلِيغًا وَلَمْ يَخْطُرَ عَلَى قَلْبِ خَاطِبِ

حَوَى كُلَّ عِلْمٍ وَاحْتَوَى كُلَّ حِكْمَةٍ ** وَفَاتَ مَرَامَ الْمُسْتَمِر الْمُوَارِبِ

أَتَانَا بِهِ لا عَنْ رَوِيَّةِ مُرْتَئِيَ ** وَلا صُحْفِ مُسْتَمْلٍ وَلا وَصْفِ كَاتِبِ

يُوَاتِيهِ طَوْرًا فِي إِجَابَةِ سَائِلِ ** وَإِفْتَاءٍ مُسْتَفْتٍ وَوَعْظِ مُخَاطِبِ

وَإيتَانِ بُرْهَانِ وَفَرْضِ شَرَائِعِ ** وَقَصِّ أَحَادِيِثٍ وَنَصِّ مَآرِبِ

وَتَصْرِيفِ أَمْثَالٍ وَتَثْبِيتَ حُجَّة ** وَتَعْرِيفِ ذِي جَحْد وَتَوْقِيفِ كَاذِبِ

وَفِي مَجْمَعِ النَّادِي وَفِي حَوْمَةِ الْوَغَى ** وَعِنْدَ حُدُوثِ المُعْضَلاتِ الْغَرَائِبِ

فَيَأْتِي عَلَى مَا شِئْتَ مِنْ طُرُقَاتِهِ ** قَوِيمَ الْمَعَانِي مُسْتَدِرَّ الضَّرَائِبِ

يُصَدِّق مِنْهُ الْبَعْضُ بَعْضًا كَأَنَّمَا ** يُلاحِظُ مَعْنَاهُ بِعَيْنِ الْمُرَاقِبِ

وَعَجْزُ الْوَرَى عَنْ أَنْ يَجِيئُوا بِمثْلِ مَا ** وَصَفْنَاهُ مَعْلُومٌ بِطُولِ التَّجَارُبِ

وَكَانَ رَسُولَ اللهِ أَكْرَمَ مُنْجِبٍ ** جَرَى في ظُهُورِ الطَّيبينَ المنَاجِبِ

عَلَيْهِ سَلامُ اللهِ في كُلِّ شَارِقٍ ** أَلاحَ لَنَا ضُوءًا وَفِي كُلِّ غَارِب

اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى وَصِفَاتِكَ الْعُلَى أَنْ تُعْتِقَ رِقَابَنَا وَرِقَابَ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا مِنَ النَّارِ وَالدِّينِ وَالْمَظَالِمِ يَا عَزِيزَ يَا غَفَّارُ يَا كَرِيمُ يَا سَتَّارُ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.